الجمعة، 4 أكتوبر 2013

للتوثيق (3) :- 30 يوم من العُزلة ..

تعرضت خلال هذه السنة للكثير من المشاكل والضغوطات النفسية ، قادتني إلي تغيرات فكرية وجسدية عميقة ، اعتقد ان ما يميّز العبد لله ، انه لا يستسلم بسهولة ..

ولذلك وبعد نفاذ كل الخيارات وكل المحاولات للنجاة من تلك الازمات والاضطرابات النفسية ، مع ملاحظة استمرار تغيّر حالتي بوجه عام للاسوء ، لم يتبقي لي سوي ان اطبق علي نفسي "نظام او حمية ما" ..

هي ليست حمية غذائية ، وانما هي عبارة عن نظام روتيني عبثي يمكنني تشكيله يومياً علي حسب مزاجي ، ولكنه يتضمن إطار روتيني لا يمكن الخروج عنه ..

مثلاً : يتضمن اليوم الواحد خلال هذا الشهر علي عدة اوامر او انظمة لابد تنفيذها ، ولا يهم متي يتم تنفيذها او كيف يتم تنفيذها وانما المهم ان تُنفّذ..وهذا ما يجعل الامر روتيني وعبثي في نفس الوقت ..

الحقيقة انها ليست المرة الاولي التي اطبق فيها علي نفسي حمية من هذا النوع ، من يرجع للارشيف بالمدونة إلي شهر مارس 2013 ..سيجد مقال بتاريخ الاتنين 18 مارس يسمي "فلسفة الاكتئاب" ، وسيعلم اني طبقت ذلك النظام علي نفسي قبلاً ...
كان تفسيري وقتها لحالة الاكتئاب التي اعيشها اني اتعبت نفسي كثيراً واجهدتها في محاولاتي البائسة لتحقيق ما أريده ، ساعياً بجِد إلي الوصول إلي ما ارتضيته لنفسي كفنان ...إذ كان عليًّ ان آخذ قسط من الراحة بسبب تعرضي للطاقة الملوثة والسلبية التي كنت في إختلاط شبه دائم بها ، وتعرضي لعدة انماط بشرية هدّامة منهم  "كارهي النجاح والإختلاف حتي وان كان الإختلاف فكري ليس إلا ، والمدافعين عن المنظومة بكل سلبياتها والنمط المعيشي الذي لا يرضي طموحي ورسالتي ، وبالطبع الآلات البشرية التي كانت تنتقدني وتحاول هدمي وزرع اليأس بداخلي"...
فقررت ساعتها ان اعزل نفسي عن كل شيء وعنهم بالتأكيد ..وابتعدت عن مواقع التواصل الاجتماعي - حتي التلفاز والراديو ...وكأني اعيش في قوقعة منعزلة عن العالم هذا ..وقتها قد قررت ان اعيش تلك الحالة لمدة اسبوع فقط ...وكانت عبارة عن إنعزال تام عن الواقع - والسباحة في الخيال والاوهام الجميلة ..

وبعد اسبوع شعرت بتحسن شديد ، بعد ان غطست في الروايات وكتب الفلسفة والتراث والصوفية والتاريخ الروماني وغيرها من الكتب التي تثير فضولي - والمزيكا والسينما بالطبع  - وبعض التمشيات في شوارع مصر القديمة ...

ولكن المصيبة التي حلّت عليًّ ان كل تلك الاشياء اصبحت معتادة بعد هذا الاسبوع من الانعزال ، وكنت لا ادرك ذلك ، فبعد هذا الاسبوع اصبحت اغوص في الروايات وكتب الفلسفة والمزيكا ومغيبات العقل كلها بشكل شبه يومي !! ...
وبعد عام من الضغوطات ، تراكمت المشاكل والاضرابات النفسية - وانا هارب من الواقع لا اوجهه - وفجأة كان عليًّ ان اواجه كل ما تركته وراء ظهري - بدلاً من الهروب عنه بالروايات والمزيكا وغيره من الاشياء تلك ...مما تسبب لي في أزمة نفسية ، ومادية ، وجسدية ..

يتحتم علي الآن ان اواجه جميع مشاكلي وازماتي واضراباتي ولا اهرب منها ...
وبعد ان اصبح واقعي خيالاً خلال تلك الاشهر التي قضيتها بعد هذا الاسبوع من العزلة ...

اصبح مُلزماً عليًّ الآن ان انخرط في الواقع ، ان اكون اكثر واقعية ، ان اعالج المشاكل التي تركتها وتراكمت عليّ ، ان انتبه لما فاتني ، وها انا احاول الآن ان اعيش 30 يوم اخرون من العزلة ..ولكن العزلة هنا ليست عزلة عن الواقع كما فعلت قبلاً ..وانما عزلة عن الخيال ..

قررت ان اعيش 30 يوم في عزلة عن الاصدقاء ومواقع التواصل الاجتماعي والروايات والكتابة الشبه يومية - بينما احاول الآن ان اعيش في خدمة كل الواجبات الروتينية التي هي بالطبع بالنسبة لي غير مقنعة ومقيدة ، والتي طالما كنت اتهرب من تأديتها وكان عليًّ ان اتمّها خلال هذا العام ولكني تركتها تتراكم...المصالح الحكومية ، والتجنيد وما إلي ذلك من تلك الاشياء التي يجب إتمامها "كعبد" للمنظومة الفاشية تلك ...


يمكنك تسمية ذلك "فوز بجولة جديدة لصالح المنظومة والمجتمع والواقع العفن" الذي انا في حالة حرب شبه دائمة معه ..ولكني اعتقد انه مُعسكر ليس إلا ...لإعادة تأهيلي كي استطيع مواجهة الواقع العفن هذا ...
احاول الآن اكتساب بعض المهارات المهنية والتعليمية وغيرها التي تسمح لي بالولوج إلي عالم الماديات هذا ولكن دون التأثر به ، ودخولي سوق العمل فقط من اجل مساعدتي في تحقيق اهداف تخدم رسالتي وتخدم فنّي ، وذلك بعد التعثّر المادي الذي اواجهه الآن ...واحاول حالياً ان اجد فرصة عمل روتينية إنتهازية ، وان اترك العمل بالفن مؤقتاً ..كما اني حاولت الابتعاد عن الكتابة والتدوين خلال هذا الشهر ، ولكني فشلت ..

كنت اتمني في هذه اللحظات ان اجد شخص بجانبي يخفف عني قليلاً ولكني اعلم جيداً ان ذلك سيكون مصدر تعاسة بالنسبة له وعليَّ ان اخوض معركتي وحيداً وان التحف بالصلابة والقوة ...

علي اية حال لا بأس بذلك كله ...فلابد للفنان الذي اتخد عمله في الفن ، من اجل الفن ، وللفن فقط وليس سعياً وراء الكسب ..
لابد له في مصر ان يكدح ويطلع تلاتة دين ام اللي جبوه ! ..

واللهم اعنا علي الازمات النفسية المُقبلة ...وخلصنا من هذه الازمة النفسية الحالية والتعثرات المادية ...

________

الصورة المُدرجة  الفنان الكاريكاتيري "أنديل" ...

ليست هناك تعليقات: