الثلاثاء، 17 سبتمبر 2013

ما قبل النوم ..


أجلس في غرفتي المُظلمة ، اكتب ! ..كلما زادت كآبتي ، زادت كتاباتي - العلاقة حميمة - الكآبة تغذّي الكتابة علي ما أعتقد ..

اكتب في الظلام ...الغرفة ليست مُظلمة بطبيعة الحال - اقصد هي لا تفتقد لمصدر ضوء ، وإنما انا من إخترتُ ان أُظلمها - لتضفي بعضاً من التصاهر للحالة التي بداخلي - لا ينبعث النور سوي من هذا الجهاز الذي اكتب من خلاله كلماتي - مؤخراً لا اكتب بخط يدي كما أعتدت من قبل في السنين الاولي للكتابة - ربما لانني لم اعد احب خطّي الفوضوي ذاك ، هو يذكّرني بنفسي الفوضوية ، ولكن الكتابة كانت افضل طعماً بخط يدي - وانا جالس في إحدي "قهاوي المحروسة القديمة" - او وانا جالس في المواصلات ، اتابع سلوك المارة - اكاد أري ملامح الغرفة بصعوبة - ولكني لا أحتاج إلي الرؤية - وإنما إلي التوّحد مع مصدر النور المنفرد في الغرفة - كنوع من العزل عن الواقع الخارجي - كل ما استطيع رؤيته الآن هو أناملي وحروف - ومروحة كلاسيكية حصلت عليها مؤخراً - وهي اقدم مروحة في المنزل - كنت امتلك مروحة حديثة ولكنها رفضت كثيراً ان تكون في غرفتي - وظلت تتذمر من حين لآخر - رغم وجود شبيهاتها في كل غرفة من المنزل ، يبدو وأن المروحة الكلاسيكية القديمة تلك تعرف طريقها ـ وكأنها تعرف انها اعز من أن تكون في مخزن بيتنا ، فشعرت بأنها تنتمي للغرفة ولصاحب الغرفة - وانه لن يكون هناك من أحن عليها غير فنّان يعشق كل قديم ...

تقف المروحة بجانب هذا الكيبورد الاسود القديم امامي ذو شكل لا يسُر الناظرين - والماوس ذو الزر الايمن الثقيل - مما يجعل الانتقال إلي بعض الصفحات وعمل بعض التغييرات والاوامر أصعب - وذلك الدولاب الخشبي الفاقد للروح والمعني - وهذا السرير الذي لا يمكنني أن اصفه بشيء سوي انه غير مُريح مما يضطرني إلي النوم في غرفة أخي الاكثر كآبة وعتمة - وتلك الكاميرا الحزينة من قلّة الإستخدام في طرف الغرفة - وكأن المكان كله في حالة شبه حُزن دائم - ملامح المكان كلها عتيقة وحزينة - كما لو كانت شابة جميلة قد شاخت ودار عليها الزمن .. اظن انها مفتقدة لروح طيبة ولذلك هي حزينة ! ...روح ابي ...

ولكن لماذا اكتب الآن ؟ ، ولمن أكتب ؟ ، وفي ماذا اكتب ؟ ...الغريب في الامر اني اكتب دائماً منذ طفولتي ولكني لم اتمني ان اكون كاتباً قط ...يبدو ان الامر مختلف معي قليلاً ..ان الشخص الذي يكتب للكتابة ..

أُكتب يا حُسني ، أكتب بحق الحُزن المختزن فيك ، اُكتب لنفسك ...
اكتب لنفسي لتخربها انه في يوم السابع عشر من أغسطس عام ألفين وثلاثة عشر - في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل - الآن اشعر بالضعف واليأس والوحدة والكثير من الحُزن ، أنطفأ نور الشغف الذي كان يضيء باطني ، فأردت في نفس اليوم وفي نفس اللحظة بعد عام كامل أن أكتب عن نفسي - فلربما كنت في مكان بعيد يلمس روحي ويملأ نفسي بالحياة ، مكان أمارس فيه شغفي الدائم بالفن والموسيقي والسينما ، ربما كنت هناك اكثر سعادة من وجودي الآن في غرفتي تلك التي يسقيها الظلام باليأس - وكتاباتي التي تغذيها الكآبة بحزني ، ربما بعد فوات عام كامل أكون في محنة او ضيق او أحاط بي إبتلاءٌ ما - وفي تلك اللحظة التي اقرأ ما اكتبه الآن أكون اشترفت من كأس رحمة إلهي وأشكره ..وتستنير روحي ببعضٍ من الامل ...بأني في مكان جديد وبداية جديد .. اقابل أناس جدد  .. 

اكتب لمن يقرأ فربما تلمس الكلمات روحه وهذا كافي بالنسبة لي ...

انا حزين لانني بعيد عن حلمي ، بعيد عن شغفي - ابدو مكتوف الايدي - غير مُبالٍ ، كمن قَنِت من رحمة ربه ..في عالم مادي لا يكترث بالجمال ، لا يكترث بالاحلام والطموحات ، لا يكترث بالفنون - لا يكترث سوي بالمادة ...لا يُساعد إلا بجعلك آلة او ترس في مكنة "عشان 5 جنيهات زيادة" ...لم يقدم سوي الإبتذال - لا يُمجد سوي الآلات البشرية واشباه الفنّانين عابدي الشهرة والمال - وطبعاً اصحاب الكروش  ...

انا حزين لاني أعلم جيداً الآن اني لن أعيش إحدي قصص الحُب التي اقرئها في الروايات - اقصد لن احب حتي كما في الواقع ، لن أحب اصلاً ... وكيف عرفت ؟ - انا أعلم فحسب - أُدرك ذلك الآن جيداً والدرس كل مرة اقسي من سابقه - عليَّ الإعتراف بأني لا ينبغي لي أن أُحب ، إلهي في السماء لا ينبغي له أن ينام - وانا عبده في الأرض لا ينبغي لي أن أُحب ....اتمني لو ان هناك تفسير ابسط ! ...

انا حزين ونفسي مُرهقة - بالرغم من انها لا تزال يافعة وطموحة ومليئة بالطاقات ، تمتلك الكثير لتقدمه إلي هذا العالم القبيح - أكلها الماضي ، اه من الماضي ! - لماذا اغرق في بحر الذكريات كل يوم - ولماذا لا اتذكر شيئاً من ذكرياتي السعيدة ؟ - أشعر وكأن ذكرياتي الحزينة قد طفت علي سطح بحر الذكريات الخاص بي - مما يجعلها اقرب للتفكير فيها وتذكّرُها ، اشعر بوجود قطع من الزجاج في رأسي وصدري من الحيرة والألم ...

هل كان يعلم الاله قبل ان يرتقي بروح أبي منذ عامين إلي مكان بعيد - ان غيابه في عالمي المُعقّد يجعله اكثر تقعيداً ..غيابه عني الآن وانا في امس الحاجة له هو "ضعف ، ألم ، إنكسار" وكأني بلا ظهر او عجوز بلا عكاز ...هل كان يعلم وقع ذلك في نفسي قبل تدبيره ؟ ، هل يعلم ان تربيي في الصِغر بعيداً عنه قد تُسبب الخلل والعذاب النفسي مدا الحياة - هل كان يريد أن يعذبني ؟..هل يُدير الدُنيا بشكل يسمح لي فقط بالايمان والتسليم له ولا يسمح بنفاذ رحمته لي ؟ ...

ما بال أولئك الذين اخبروني بأن موت أبي بهذه الطريقة كان رحمة له - الم يكن هنالك طريقة افضل واكثر عدلاً واقل ألما وعذاباً لنفاذ رحمة الإله إليه ؟ - رحمة الإله مستترة في عذابه ! لابد ان رحمته كبيرة كعذابه الكبير ! ...هل كان يُريد ان ينكل به وإياي اشد انوع العذاب النفسي والجسدي ليرحمنا بعد ذلك ؟ ..هل رؤية الحياة تنحدر ويتسلل مكانها الموت في شخص تحبه يوماً بعد يوم ولحظة بعد لحظة - فتشعر بمقدار كل لحظة من الالم والشقاء في قلبك كما لو كانت تكويه وتغلق عليه أبوابه الطيبة فلا يدخله ما يبحث عنه من عدل وسلام محتفظةً بالآلام واحزان بداخله ..

أسوأ ما في الامر لحظة غض بصرك عنه ، لحظة الصمم وسط نداءآته المليئة بالالم - فتتمني ان يموت ويرتاح من رحمة الإله ..ألم يكن هنالك شيئاً اقل صعوبة من رأيته وهو يذبل وينكسر وانا أذبل وانكسر معه ..
كيف كل هذا ولي إله رحيم ؟ ..كيف ولي إله حكيم ؟ - هنالك اشياء لا نفهمها ! - ربما كانت كل تلك الآلام ليست من تدبير الاله كما تزعمين يا نفسي المُتديّنة - وإنما حياتنا من صُنعنا نحن البشر - نحن من نرسمها ....

ولهذا تملأ روحي حسرة وتبدأ الافكار المتناقضة والاسئلة الخالية من الردود والإجابات الشافية ! ...
هل انا مسئول عن حزني هذا ؟ - لماذا لا أستطيع ان أكتب مكانه سعادة ؟ ...

ولماذا لا أشعر بالملل ككل الناس ؟ - لماذا لا أمِل ابداً - لماذا لا تملأ حياتي الفراغ كباقي الناس ؟ ..لماذا لا استيقظ يوماً بأشعر بأني مللت وبحاجة إلي تجديد ؟ ....هنا في غرفتي تبدو أيامي كحلم أضييء بشموع طموحاتي لتغيير هذا العالم القبيح ..ثم أنطفأ نوره بوحدتي وحزني ..إلي متي طاحونة الذكريات التي تطحن معها قلبي وروحي ؟ ...

سأكف عن الكتابة الآن ، تحتشد الافكار في رأسي وتُثقِل الذكريات المؤلمة علي افكاري فلا تندسل بسهولة ...

ليست هناك تعليقات: