افشل مؤسستين في مجتمعنا هذا - هما "التعليم والزواج ...مما أدي إلي فشل مجتمع بأكمله...ذلك بأن كلاهما مرتبط بالمرأة ..وقد ناقشت من قبل كيف ان المرأة هي وعاء المجتمع ، ان فسدت ، فسد المجتمع ، والعكس صحيح " ولا حاجة لي بإعادة شرح تلك النظرية ...
ايضاً لن أتحدث في السياسة ..ولن اتحدث عن فساد الحُكّام ...إن كان التعليم هو مسئولية الدولة ...فالزواج مسئولية الافراد والمجتمع...وفساد مؤسسة الزواج لا يقع علي عاتق الدولة او الحكومة وانما علي ما أظن - علي عاتق افراد المجتمع الغير أخلاقي ذاك ..
لماذا أغلب الشباب لا يريدون الزواج ؟ ، ولماذا فكرة الزواج في مجتمعاتنا فاشلة تماماً ؟ ..
لان العلاقة بين الرجل والمرأة تحدد طبيعة الزواج وانواعه ...بعض الشباب لا يريد ان يسخر من عقله ، او "يضحك علي نفسه" بالتعبير الدارج ...
المجتمع جعل الوحدة الزوجية قائمة علي الوحدة الطقوسية فحسب ، لم تكن مشكلة المجتمع في إنهم جاهلين وانما لا دينيين ...ولا اخلاقيين ..
المُصيبة هي انهم اتعبو أنفسهم كثيراً في دراسة أصول الفقه للزواج ، وايضاً الصور الطقوسية للزواج ...واهتمو بال"نيش" ، بال"شبكة" ، بال"مهر" ، بال"جهاز" وما إلي ذلك من المقيّدات الشكلية التي تدل علي ضحالة فكر أهل الزوج والزوجة والمجتمع أجمع ...ولكنهم لم يفكروا يوماً في أن يتعلمو أهم مؤسس للوحدة الروحية وهو الحُب ..
مما يُلزم علي الاب والام الابتعاد تماماً عن "قرار الزواج" ويتركوه للأبناء - مجرد تدخلهم في تفاصيل شكلية لا يتم الزواج إلا بها كافياً لطردهم من ناصية الزواج ، بل اكثر من ذلك ، ينبغي ان يُشدد عليهم ببعض القوانين المُلزمة ، بحيث ان من يربط تلك الاشياء التافهة بزواج "قلبان " او "جماع عاشقان" ..يُسجن او يُفرض عليه عقوبة قانونية...نتيجة لإفساده مؤسسة وجودية مُهمة "الزواج" ..
الحقيقة ان المُشكلة ليست دينية ولا مادية وانما افراد المُجتمع هم من يلهثون وراء الماديات والشكليات اللا أخلاقية تلك ..أرجوك دعني أشرح لك لما انا قاسي بهذا الشكل علي الآباء والامهات ..
______
لم تكن المسألة في الزواج ابداً في تأدية طقس معيّن "من كتب كتاب ، فرح ، شبكة ، دخلة ، معازيم " وما إلي ذلك من المظاهر التي تزعجني بشدة ..جعلتني اكره حضور حفلات الزفاف...الاصل في إجتماع زوجين هو ان يكون "زواجهم" ذلك يُخصب شيئاً في وجودهم ، "ما اقصده بالوجود هو عالم الانسان وحياته" ... اقصد ان الزواج شرطه التوّحد كالذي نراه في الطبيعة ...ينبغي ان يكون مبني علي "إنسجام ، وتوأمة" وليس مبني علي "مصلحة سواء جنسية او مادية" ..
وإن لم يحمل تلك الصفات فينبغي ألا يسمّي زواجاً علي الإطلاق مهما عقد قرانهما "مأذوناً او اقر المجتمع بزواجهم ، ومهما حضر زفافهما الآلاف ..حتي وإن قام بإلتقاط "صور" زفافهما امهر مصور ..وابتكر لهما اجود الحركات في "جلسة التصوير" ..
العلاقة بينهما لا أخلاقية ، غير شرعية أمام الله ...فهي علاقة اجتماع أجساد فحسب ..بينما ان كانت العلاقة تُكمّل وجودهما وتزيد تناغمهما مُحالة إلي القلب ... عن طريق ما يعرفه القلب ويدرك لغته جيداً وهو "الحُب" ، تلك العلاقة ان كانت قائمة علي الحُب الافلاطوني وليس علي حُب المظاهر والشكليات ، تصنع مؤسسة صغيرة او مجتمع صغير ناجح داخل مجتمع كبير فهما يسميّان بالزوجين حتي وإن رفض المجتمع والناس والمأذون والمصوّر والنيش وطاقم الجيلي زواجهما ...وفي تلك الحالة سيكون مأذونهما هو طبيعة العلاقة من مودّة والإنسجام والتناغم ، ويكون زفافهما هو حبهما ..
ان كنت تسأل "كيف لي أن احكم علي "الزواج" في مجتمعنا بأنه غير شرعي ؟" فدعني اولاً أتحدّث عن الاوعية الثقافية للزواج بإختلاف أشكالها :
- النوع الذي تحدثت عنه القائم علي الحُب هو ما أسميه بزواج العشق ، وهو وحده الذي يوصل إلي وحدة وجود بين رجل ومرأة ، حيث يتحول به الاثنين إلي واحد ، ويتعلّق به وجودهما ...يكمّلان اهدافهما الحياتية معاً ، ويبنيان مؤسستيهما الناجحة والقادرة علي تغيير العالم اجمع إلي الافضل او إنبات ثمرة قادرة علي إحداث ذلك التغيير المنشود..وحتي إن لم يستطع هذين الزوجين بأن يُقيما زفافاً ، بسبب تقاليد مجتمعية مُكبّلة ، وصعوبات ما في الزواج ...وحتي إذا لم يأذن بزواجهما مأذوناً ..فهما زوجيّن شرعيّين من رأيي ، هذا ما أُسميه عقد قلب وليس حُلية ومهر..ولا حاجة لمأذون او آباء وامهات ومعازيم ...
- النوع الثاني وهو الاغلب في مجتمعاتنا هو ما أسميه بزواج الحاجة "النمطي" : وهو يؤدي إلي معني وظيفي تدبيري ، وهو يجمع ما بين السكن الجنسي والنفسي ، ولكنه يؤذي بشدة معني روّحي قيّم موجود في "زواج العشق"..ايضاً هو عُبارة عن ضغط مجتمعي لكلا الرجل والمرأة ..ونوع من النمط الحياتي الذي نعيش فيه ...ومن دوافعه : خوف المرأة من ان يُطلق عليها إسم عانس ، ولجوء الرجل إلي حياة واهية تسمي بحياة الإستقرار ..وفي هذه الحالة اعتقد انه هروب من تحقيق بعض الاهداف والاحلام الدنيوية لكلا الجنسيّن ...فدائماً عندما تتحدث إلي احد المتزوجيين بشكل نمطي تجدهم يحدثونك عن أحلامهم السابقة واهدافهم الدنيوية التي تركوها من أجل الزواج والاولاد ، وكأن الزواج هو المهرب الوحيد من يأس تحقيق الاحلام في هذا المجتمع ...
- والنوع الثالث موجود يسمي المتعة والميسار دون علمٍ منا : يكون في تلبية حاجة جسدية إرتضاها الطرفين "كالسكن الجنسي" ...وهدفه عدم تعثّر الذات في كبتها الجنسي ..وهو إحدي حلول الشباب للحصول علي حقهم في ممارسة الجنس ..العرب قديماً اسموه سفاح ..لانك تسفح ماءك فحسب ..ماء علي ماء ليس إلا ..للأسف تشرعه اغلب المذاهب ...وانا اسميه بالدعارة المقننة....لانه ليس إلا ابتغاء جمال انثي ، حباً في جمالها ، وإبتغاء مال رجل ، حباً في ماله ، غير قائم علي الحُب والمودة والرحمة ،
وتلك ادني انواع العلاقات ...ومما يساعد عليها هم الاهل للاسف ..في وهم التعفف ..وقتل العنوسة ...
- كما ان هنالك بعض الانواع للعلاقات الغير قائمة علي الزواج قد تكون اشبه بالنوع السابق ولكنها مرفوضة في مجتمعاتنا ولكن مقبولة في المجتمعات الاكثر إنفتاحاً وهي ان تكون العلاقة بين الرجل والمرأة قائمة علي الإعجاب ..وقد تكون مبنية علي شهوة الحب في بعض الحالات ، ولكن بدون زواج شرعي اقصد زواج قلبي ، كالنوع الاول..يأخذ طرفا العلاقة حاجتهما الجنسية بدون خداع ...
إذاً المسألة ليست في حضور المجتمع والناس ، وليست في حضور المأذون ، وليست في حضور النيش او غيابه ، ليست ايضاً في شبكة وشقة وعفش ومهر ، ليست في كلمة بابا وكلمة ماما ......
وإنما هي إختيار قائم علي حضور المعني او عدم حضوره ، ما هو معني الزواج ..وما هو هدفه ..هدف ومعني يحيلان الزواج إلي العشق ..مقيّداً الجسد بشعور جمالي بين الطرفين ..في علاقة حميمة تلمس الروحيّن مع الجسديّن ..
ايماناً مني بفلسفة جورج سنتاينا في ان القيم تعود إلي الاس الجمالي ، فإن طبيعة العلاقة هي التي تحدد ما إذا كانت تسند قلبك وتنوّر روحك ..
عندها يمكنك تحديد معني الزواج ..طالما هو قائم علي التوّحد الروحي حتي وإن ذاق التراجيديا والتعثّر المادي ، العشق اصلاً بدون تراجيديا لا يمكن ان يبلغ قيمته الوجودية والحياتية ..
- اري العلاقة القائمة علي الحُب الذي وصل إلي حد العشق اكثر شرعية لانها دائماً ما توصل إلي فكرة الإندماج مع المتعالي لكارل ياسبرز ، كي يكون موجوداً حقيقياً ، او لأجل إنجاز وجوده ..فما لا يقوم علي الحُب يكون مبتذلاً وعدمياً ...فالاتحاد الجنسي دون حُب هو إتحاد زائف اسميه في شريعتي بالزنا - يؤثر بالسلب علي وجود الرجل والمرأة بل والعالم كله ..وهو ما نريد ان ننتهي إليه في عدم شرعية الزواج الذي يقوم عليه ..
لاتحاد مع المتعالي يمكن ان يوصلك إلي الله ، الجميل ..وهنا أسمي قيمة وجودية في هذا العالم ، في تلك العلاقة القائمة علي القيّم الجمالية... تصل بك إلي الاتحاد مع المتعالي والتي قد تؤدي إلي فهم اعمق لله ومراده ..
خُلاصة الامر ان الزواج القائم علي المال ، والكبت الجنسي ، والمسكن ، والخوف من المجتمع ، والخوف من كلمة عانس ..هو زواج غير أخلاقي غير شرعي ...
الواحد هو الحُب ..اللانهائي هو الحب ..نُفخ فينا من الحُب ...لماذا لا نُحيل زواجنا إلي الحُب فقط ؟ ...